التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مكانة الاستاذ الجامعي في تراجع

                                بسم الله الرحمن الرحيم

                  (مكانة الأستاذ الجامعي في تراجع)

أ.د. حسن منديل حسن العكيلي
 جامعة بغداد

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا . وبعد.
       فانّ التعليم مهنة الأنبياء. وان العلماء ورثة الأنبياء. وقد حفل تراثنا العربي والاسلامي بموروث كبير يجلّ العلم والعلماء ويرفع من مكانتهم، وكان الخلفاء والامراء يتنافسون في استقطابهم، ناهيك عن مكانتهم السامية لدى عامة الناس.
      ويعد العلم اليوم معيارا لقياس درجة التطور والتنمية البشرية في العالم.  والمؤسسات العلمية اليوم تمثل الركائز الأساسية التي تعول عليها الشعوب في بناء حضارتها وتقدمها ورقيّها. لذا من الواجب علينا التنبيه الى أي سلبية وعرضها تحت الأنظار مهما كانت أهميتها ودرجة تأثيرها، لمناقشتها والتنبيه اليها والسعي الى معالجتها. انطلاقا من شعورنا بالانتماء الى مؤسساتنا العلمية واعتزازنا بها  والحرص على سمعتها الواسعة ولا سيما جامعة بغداد الأم العريقة ( مصنع العلماء) التي رفدت العراق والعالم بالكفاءات والقيادات.  وعلى الرغم من بوادر الأمل في بعض القرارات الشجاعة من وزارة التعليم العالي، منها تحريك مؤسساتنا العلمية من خلال تغيير قياداتها وتجديدها بحسب المدة التي تقضيها. لكن حاول بعضهم تطبيقها لغيرالمصلحة العامة. لذلك لم يعلن عن معايير ذلك الاجراء أو وضع النقاط لها. ومن ذلك أيضا تأكيد استقلالية الجامعات والمجالس التابعة اليها. لكن أيضا سخّرت بعض هذه الصلاحيات لتعطيل بعض القوانين والتعليمات باسم مجلس الكلية في ظل غياب ممثل للتدريسيين في هذه المجالس.
     سأضطر الى الصراحة والكلام المباشر والنأي عن المجاملات لأهمية الموضوع، متمنيا أن لا يسبب ذلك استفزازا بل تحفيزا للعناية بهموم الأستاذ الجامعي، أو الاصغاء لوجهة نظره ومنحه الفرصة لأن يدلي بدلوه بين الدلاء لئلا يذهب أدراج الرياح كالمقالات السابقة،  متمنا أيضا أن يكون ثمة جواب وأن يكون الجواب علميا لا اداريا روتينا أواضمار العداء والتربص والعقاب غير المباشر.  ذلك ان الرأي المخالف يمكن نفثه في الهواء!  لكي لا يخنق صاحبه في الأقل، فضلا عمّا في ذلك من تواصل بين عضو الهيئة التدريسية ومراكز القرار، ليعود نفعها على المصلحة العامة.
        إنّ الواقع الذي نعيشه هو إنّ مكانة الأستاذ الجامعي في تراجع اذا ما قارناها مع مكانته في الماضي. مما ينبئ بمستقبل غامض لمكانة عضو الهيئة التدريسية والمستوى العلمي في مؤسساتنا العلمية الآكاديمية، وتحويلها الى مؤسسات ادارية تقليدية روتينية. تقيّد البحث العلمي الذي لا ينهض الا بالحرية والانفتاح. فالعلم لا يمكن أن ينهض إلا إذا كان حرا مستقلا، والعالم لا يعد عالما إلا إذا كان مستقلا في علمه وعمله. إذ من دون النظر لمكانة مميزة للأستاذ الجامعي ستبقى عملية استباحته والاستهانة بقدره وبدوره المميز في عمليات البناء والتطوير والتغيير عاملا معرقلا خطيرا لأداء مهامه المنتظرة.
        ثمّة تجاوزات يتعرض لها عضو الهيئة التدريسية.. وتدخل في شؤونه العلمية وتخصصه العلمي والنيل من مكانته تصل الى الإهانة عبر التجاوز على قوانين الجامعة ولوائحها أو استغلال القوانين والصلاحيات لممارسة الاستبداد عليه ومصادرة حقوقه..مما ينعكس سلبا على حريات البحث العلمي والتخصصات العلمية والدراسات العليا..   ويبدو الأستاذ الجامعي قلقا ومتوترا وفاقدا لحريته، وعاجزا عن الإسهام في التغيير والتطوير. فيضعف شعوره  بالانتماء الى مؤسسته العلمية وتتشكل لديه  رغبة بتقويض هذه الإدارات، لأنه لا يستطيع أن يقابل هذا الاستبداد بحوار علمي، تسود فيه ثقافة الحوار، فيكبت رغبته بتقويض الاستبداد، وينزوي على نفسه، ويتقاعس في عمله، وتتعطل طاقاته الإبداعية، وملكاته وقدراته الكثيرة على العطاء العلمي والبحثي المنظّم، التي اكتسبها بفضل مسيرته الطويلة في البحث العلمي.  
من ذلك: 
     - تسخير الصلاحيات لاقصاء أصحاب الرأي الآخر ولا سيما الذين يبذلون جهودا علمية متواصلة خشية منافستهم مما يسبب حرمان المؤسسة العلمية من التطوير والتوسع واضافة الملحقات العلمية لها..
        -  ضعف تطبيق المعايير العلمية والادارية: بغية الاستحواذ على اللجان العلمية في الأقسام العلمية والدراسات العليا والدروس بوجهات النظر ومعايير جديدة بغية الاقصاء والسيطرة التامة على القرارات العلمية والدراسات العليا التي ينبغي أن تنأى عن الصلاحيات الادارية .
    - اخفاء المعلومات كتعليمات المناصب الادارية التي تنص على تكليف الأقدم فالأقدم من حاملي اللقب العلمي . والعمل بمعايير تنأى عن الكفاية العلمية والادارية أوالنشاط العلمي أو اللقب العلمي. وفي ذلك هدر للحقوق العلمية التي ينبغي احترامها، وأمانة ينبغي تأديتها لأهلها.  قال تعالى: ( يَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةًۭ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۢ بِمَا نَسُوا۟ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ) ﴿سورة ص٢٦﴾.
    - ضعف تواصل بعض العمادات مع أعضاء الهيئة التدريسية ومجالس الأقسام. أو حتى المناقشات العلمية. للوقوف على الصلة الواقعية بين أعضاء الهيئة التدريسية والعمادات. وعدم الاصغاء للرأي الآخر أو لهموم التدريسيين. وضعف متابعة مصالح التدريسيين في بعض معاملاتهم وشؤونهم الادارية والمالية، وذكرها في مجالس الجامعة.  من ذلك:
  -  تسكين درجة راتب عضو الهيئة التدريسية مدّة طويلة.
    -  عدم مراعاة سلّم الرواتب الألقاب العلمية والشهادات العليا الاضافية والزمالات فوق الدكتوراه.
    - تعطيل بعض الحقوق المالية وتفسير القوانين لغير صالح عضو الهيئة التدريسية كالتعضيد ومكافئة المدة الأصغرية وغير ذلك.
- عدم تسهيل صرف مكافئات الخبير العلمي بين الجامعات مما تجعل الخبير يبذل الجهد والوقت والمال  في متابعتها أو التنازل عنها.
- عدم المساواة في الحقوق ففي الجامعة هناك من استلم ثلاثة قطع أراض أو أكثر من سكن. وعدم شمول الآخرين منذ أكثر من عشر سنوات.
    - عدم تسهيل عمل مهام بعض اللجان المركزية في بعض الكليات لأنها ليست خاصة بالكلية وانما تابعة للجامعة.
     - ضعف تشجيع النشاطات العلمية للتدريسي كالجوائز العلمية والمؤتمرات والتشكرات. وتوقف العمل بالدكتوراه العليا والدكتوراه الثانية، وإلغاء زمالة فوق الدكتوراه. لا تعمل بها الجامعة لأنها قبل  عام 2003!!!
     -  وغير ذلك...
توصيات: 
      ثمة توصيات أو مقترحات أتقدم بها آملُ الاطلاع عليها أو في الأقل مناقشتها، اسهاما في ارساء تقاليد جامعية علمية رصينة مستقلة  :- استقلال الجامعة استقلالا تامّا شاملا علميا واداريا، والنأي بها عن التدخلات السياسية. فان السياسة مهما بدت رصينة فانها لا ترى خصوصية للمناصب العلمية في الجامعات. لذا ينبغي أن يكون دورها رعاية الديمقراطية العلمية من غير التدخل في خصوصيتها.
 -
الجامعات أولى من غيرها بتطبيق النظام الديمقراطي الانتخابي من رئيس القسم والوحدة العلمية فصاعدا كل سنتين أو ثلاث. وفي ذلك تتحقق المصلحة العامة والديمقراطية والعدالة، ووضع الشخص المناسب في مكانه المناسب،
- تشجيع الأستاذ الجامعي الذي يبلغ درجة علمية عليا بكثرة بحوثه ونظرياته وكتبه وتأثيره العلمي في مسيرة البحث العلمي لتخصصه، بجعله قدوة المجتمع وواجهة للبلاد، لأنه قائد أمين الى التقدم والأمن والسلام..واشعاره بأهميته والاعتزاز به لكونه قائدا ايضا للمجتمع نحو التقدم والبناء. لا الشعور بعقدة النقص اتجاهه،
    - مراعاة وضع الرجل المناسب وتخصصه العلمي في المكان المناسب. ونأي تقويم أداء المدراء عن المجاملات والعلاقات. واشراك أعضاء الهيئة التدريسية باتخاذ القرارات العلمية من خلال انتخاب ممثل للتدريسيين في مجالس الكليات والجامعات.
  -  تشكيل لجنة محايدة متخصصة من المشهود لهم بالموضوعية والنزاهة لتقصي الحقائق. فثمة من يقدّم خدمات لجهات نافذة مستغلين مراكزهم فتكون المنفعة الشخصية متبادلة على حساب المصلحة العامة، مما يؤدي الى تراجع التعليم العالي عندنا.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة    كانون الأول 2010 أ.د. حسن منديل حسن العكيلي كلية التربية للبنات- جامعة بغداد aligeali@Gmail.com   توطئة   :       الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...   فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك . ناهيك عن أهداف أخرى منها:         الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القا

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس