التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم
الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

ورقة عمل
مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة   كانون الأول 2010

أ.د. حسن منديل حسن العكيلي
كلية التربية للبنات- جامعة بغداد



  توطئة  :
      الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد... 
فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك. ناهيك عن أهداف أخرى منها:
       الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القانوني والذين لا تسمح معدلاتهم بالقبول بحسب الاختصاص العلمي الذي يرغبون فيه.
      الا ان المتغيرات التي شهدها الواقع العراقي الجديد جعل الدراسة المسائية تنأى عن الأهداف التي أسست من أجلها، اذ أسهمت الدراسة المسائية في حل مشكلة عدم استيعاب الكليات للأعداد الكبيرة من الطلبة المتخرجين من المراحل الاعدادية، فتحولت الى ما يشبه التوسع في الطاقة الاستيعابية للكليات في استيعاب أعداد مضاعفة من الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في الانسيابية. فضلا عن الظروف الأمنية التي جعلت الطلبة يعزفون عن الدراسة في جامعات المحافظات بسبب الوضع الأمني المتردي.
مشكلات الدراسة المسائية :

·       تباينت الآراء في أهمية الدراسة المسائية وجدواها بين مؤيدٍ ومعارض، فثمة من يؤيدها ويرى أنها تسهم في رفد المجتمع وأغنائه بالمزيد من المثقفين وهناك طبقة من المثقفين واسعة تحاول زيادة مخزونها الثقافي من خلال الدراسة المسائية، وأنها فرصة ثمينة للطالب، فضلا عما تتيحه من إمكانية الحصول على شهادة ثانية أو ثالثة في التخصص الذي يرغب فيه المرء بغض النظر عن العمر، ووقت الدراسة الذي يسمح لمن يعمل أن يستمر بالعمل والدراسة في الوقت نفسه.
·       ويرى البعض الآخر أنها ليست بالمستوى العلمي المطلوب وأنها سبب في تدهور المستوى العلمي للجامعات. ويرى آخرون ان لدراسات المسائية ليست إلا مشروعا تجاريا، وهذا الرأي لا ينأى عن الواقع الذي نشهده في بعض الكليات فقد ألغت احدى الكليات فقرة من تعليمات الدراسة المسائية التي تنص على تخفيض الأجور لأبناء الأساتذة لزيادة الرواتب، وهو تجاوز على التعليمات وعلى الاستاذ الجامعي لأسباب مادية. مما يعد ذلك فسادا ماليا ينبغي معالجته.
·       إن طالب المسائي سيحصل على البكالوريوس بمعدله الضعيف الذي جمعه في الدراسة الإعدادية، وبذلك يتساوى مع صاحب المعدل العالي المؤهل لدخول الكلية بل وينافسه في الدراسات العليا، ذلك ان طلبة الدراسة المسائية يحصلون على معدلات عالية في مراحل الكلية لسهولة الدراسة فيها، مما يؤهلهم إلى حجز المقاعد الخاصة بالدراسات العليا لشمولهم بالتقديم للدراسات العليا اسوة بخريجي الدراسة الصباحية.

اعادة النظر بتعليمات الدراسة المسائية:   

وفي ضوء المتغيرات في اهداف الدراسة المسائية ونوع الملتحقين بها والتطور والتوسع الحاصلين في الكليات والجامعات، أضحى اعادة النظر بتعليمات الدراسة المسائية ضرورة أساسية. فقد أصبحت الدراسة المسائية تسهم في استيعاب تزايد أعداد الطلبة المتخرجين الذين لم يحقق القبول المركزي طموحاتهم في نوع الدراسة وموقعها المناسب لهم ولا سيما بعد الأحداث والمتغيرات التي شهدها البلد مؤخرا، حيث أسهمت في حل اشكالات القبول المركزي وطاقته الاستيعابية. ففي بعض الكليات تزيد خطة القبول في الدراسة المسائية على الدراسة الصباحية. وان أعداد المقبولين فيها من خريجي الاعدادية غير الموظفين يفوق عدد الموظفين أكثر من 90% كثير منهم تزيد معدلاتهم عن المستوى الأدنى للقبول في الدراسة المسائية. فضلا عن ذلك فقد أسهمت الدراسة المسائية في استيعاب الفائض من التدريسيين وأكمال نصابهم، وبعضهم عين اساسا على ملاك الدراسة المسائية بحسب الاوامر الجامعية. كل ذلك متغيرات لم تكن موجودة عندما شرعت تعليمات الدراسات المسائية.
بعد احتلال العراق حصلت تغييرات في الدراسة الجامعية المسائية ومنها
تحويل وقت الدوام المسائي الذي كان  من الساعة 4 عصراً إلى 9
مساءً في السابق إلى وقت الظهر وتحديداً من الساعة 2 ظهراً إلى 5 عصراً  أو من 12 الى الساعة الثالثة ظهرا في بعض الكليات وتم تقليص وقت المحاضرة الواحدة ليتم استيعاب الفرق في الوقت المتاح للدراسة، والسبب هو الوضع الأمني.ولا ندري كيف سيكون تلبية حاجة المادة العلمية في هكذا ساعات قليلة ؟
      وفي الوقت الذي يتطلب منا تحمل مسؤلياتنا في العناية بالدراسة المسائية ومعالجة شؤونها وشجونها لتزايد الاقبال عليها ولاسيما بعد عدم شمول الوف الطلبة بالانسيابية في السنوات السابقة. وعلى الرغم من العناية التي تقدمها الوزارة والجامعات للدراسة المسائية، الا ان ثمة مشكلات تعاني منها الدراسة المسائية، أهمها :
العاملون في الدراسة المسائية:
  ان أهم المشكلات التي تعاني منها الدراسة المسائية. أن العاملين فيها اما مكلفون غير متفرغين لها لانشغالهم بواجباتهم بالدوام الصباحي مما يؤثر في أدائهم وتواجدهم حتى نهاية دوام الطلبة سواء التدريسيون او الاداريون. واما متعاقدون بأجر يومي وهولاء قد يتركوا العمل فيها عند حصولهم على فرصة عمل أفضل للتعيين مما يصعب تعويضهم بالسرعة المطلوبة.مما ينعكس سلبا على المستوى الاداري والعلمي .

  اقتراحات :
·       ان واقع الدراسة المسائية الذي نقف عليه يتطلب ادارة متفرغة لها مستقلة مرتبطة بالجامعة لتوسعها وتزايد المتقدمين اليها ولخصوصيتها من حيث القبول المباشر والتمويل الذاتي. وما تتطلبه من مضاعفة الجهود في ادارتها والعناية بالتدقيق لكثرة حالات التزوير في وثائق المتقدمين اليها ، ولتفادي التقاطع الحاصل بين دمج الدراستين الصباحية والمسائية أحيانا. ولضمان استمرار الدراسة المسائية وعدم تعليقها لأسباب مالية او لضغوط العمل فيها لكونها على هامش الدراسة الصباحية كما حدث لدى بعض الكليات.  ولازالة النظرة الثانوية اليها حيث يعتقد بعضهم انها لا ترقى الى المستوى العلمي والاداري للدراسة الصباحية . وهي نظرة غير منصفة تنأى عن واقع الدراسة المسائية ، ذلك أنها كلية رسمية تابعة للوزارة يعامل خريجوها معاملة خريجي الدراسة الصباحية في التعيين وفي القبول بالدراسات العليا والبعثات وغير ذلك. وتنطبق عليها ضوابط الدراسة الصباحية وتعليماتها كافة. الا انها تعتمد على التمويل الذاتي والقبول فيها قبولآ مباشرآ.

وقد أثبتت تجربتنا السابقة تفوق خريجي الدراسة المسائية على الدراسة الصباحية في ترتيب تسلسل الأوائل على الكلية وكثرة المقبولين في الدراسات العليا، مما يدلل على أن مستوى الطلبة العلمي فيها  لا يقل عن مستوى الدراسة الصباحية ورغبتهم في الدراسة.

·       ارتباط الجانب المالي فيها بالميزانية العامة للجامعة او الوزارة بعد تحديد اجورها مركزيا لتفادي النظرة المادية لها او( التجارية / الربحية ) وطغيانها على الجانب العلمي. وقد كان هذا الجانب سببا في تعليقها في بعض الكليات وهو أمر مؤسف . فضلا عن ذلك فقد يدعو الجانب المالي الى زيادة اعداد المقبولين فيها لاهداف مالية على حساب المستوى العلمي لسد نفقات اجور المحاضرات والرواتب.
·       استحداث جامعة خاصة بالدراسة المسائية لها خصوصيتها وضوابطها مرتبطة بالوزارة. غير ربحية من خلال رفع الاجور فيها لعدم حاجة ميزانية الدولة لها ولخدمة شريحة كبيرة من ابناء البلد لحاجتهم لها وسيكون ذلك من انجازات الوزارة.

·       التوسع بها في المستقبل لتشمل الدراسات العليا خاصة بالمتخرجين من الدراسة المسائية على وفق ضوابط خاصة تراعي نوع الملتحقين بها في مدة اطول مثلا. وبذلك تستغني الوزارة عن منح التفرغ العلمي والاجازات الدراسية الطويلة مما يوفر مبالغ كبيرة ويبقي صلة المقبول فيها بدائرته ولا سيما الذين لا تستغني دوائرهم عن خدماتهم.

وللمرة الاولى في جامعة بغداد يعقد للدراسة المسائية احتفالا او ندوة ارشادية سنوية في كلية التربية للبنات عندما اتجهنا في استقلاليتها، ولأجل أن تكون تجربتنا الجديدة في استئناف الدراسة المسائية ناجحة نجعل الاحتفال تقليداً جامعيا سنويا في هذه الكلية. يدل على العناية المتزايدة بالدراسة المسائية ورعاية الجامعة والكلية لها رعاية لاتقل عن رعايتها للدراسة الصباحية ولا سيما من الناحية العلمية والرقي بها الى المستوى العلمي الذي عرفت به الكلية . للأسف وئدت هذه المحاولة لنجاح الدراسة المسائية بحجة انها تتعارض مع القوانين الجامعة.
وقد اثبتت تجربتنا السابقة ان بعض الطالبات الأوائل على الكلية للدراستين الصباحية والمسائية كنَّ من الدراسة المسائية في السنوات السابقة وان كثيرا من طالبات الدراسات العليا في الكلية من خريجات من الدراسة المسائية مثل... وغيرهن الكثير مما يدل على ان المستوى العلمي للدراسة المسائية لا يقل رصانة عن الدراسة الصباحية وربما يفوقها وهذا ما وقفت عليه شخصيا من خلال تدريسي في الدراستين الصباحية والمسائية، لذا أدعو رؤساء الاقسام والتسجيل المسائي الى عمل احصائية بذلك واعلانها لطالبات الدراسة المسائية ليكون ذلك حافزاً علميا لهن فضلا عن ذلك فإن كثيرا من الطالبات المقبولات يحملن معدلات عالية تصل الى اكثر من 90 ولاسيما خريجات معاهد المعلمات.
     ان قبول 750 طالبة في سبعة أقسام علمية لهذا العام الدراسي يُعد انجازا نفخر به وللمصلحة العامة لأبناء البلد وهذا يعني اننا أسهمنا في حل 750 مشكلة تتعلق بالقبول المركزي للطالبات وذويهن وتحقيق طموحاتهن في الدراسة بحسب رغبتهن واتاحة الفرصة المناسة لمن تريد اكمال تعليمها الجامعي من الموظفات وممن تتقاطع رغباتهن وطموحهن مع القبول المركزي وفي النية زيادة العدد لتكون الطاقة الاستيعابية للكلية اكثرمن 1000 طالبة في العام الدراسي القادم ان شاء الله تعالى..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس