التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثقافة اللغوية/ الحلقة 2

     دعوت في مقال سابق إلى عناية جديدة  باللغة العربية على وفق معايير تناسب المرحلة الجديدة التي يشهدها العراق المتمثلة بالانفتاح والعولمة والانفجار المعرفي وسرعة الاتصال الذي يشهده العالم ليأخذ موقعه الفاعل فيه. عناية توافق طبيعة اللغة العربية وخصائصها ونظامها الحيوي الذي يتصف بالمرونة والحيوية في التعبير عن المعاني وظلالها تعبيرا دقيقا. لا بالمعايير العقلية والمنطقية للغة،  فقد أثبتت بحوثنا الحديثة أن التشدد في  المعايير اللغوية والنحوية يتقاطع مع طبيعة العربية وحقيقتها وجمالها ومرونة نظامها الحيوي ،وأثبتت أيضا أن الكثير مما نعده خطأ لغويا ليس بخطأ يمكن تخريجه مخرجا لغويا صحيحا لسعة العربية وحيويتها ، بل أن علم اللغة الحديث لا يطلق على الخطأ اللغوي خطأ بل تطورا لغويا , وان كانت للغتنا خصوصية عن اللغات التي تناولها علم اللغة الحديث ذلك أن لها نظاما يحوي المتغيرات الزمانية والمكانية والتطور الحاصل في مجالات الحياة المختلفة ، نظاما يؤسس على المشابهة في مكونات اللغة العربية جميعها: الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، يشبه النظام الكوني وهو دليل على اعجز ا لعربية وارتباطها بالقرآن الكريم ارتباطا عضويا لا انفصام بينهما ، ودليل علمي مادي على أن منزل القرآن الكريم هو خالق الكون الله تبارك وتعالى وهو كلامه، وقد فصلت القول في هذه النظرية في أطروحتي الدكتوراه الثانية الموسومة ب: ( العدول عن النظام التركيبي في أسلوب القرآن الكريم) لمن يريد المزيد يرجع إليها. أحصيت العشرات من المواضع في القرآن الكريم التي تتقاطع مع المعايير اللغوية والنحوية  التي وضعها النحاة ، ذلك أن النحاة واللغو ببن ولا سيما المتأخر ون منهم وضعوا قواعدهم على وفق النظام العقلي المنطقي وليس على وفق النظام اللّغوي الاستعمالي للعربية.
     إنّ العربية ليست نحو ابن عقيل أو شذا العرف أو جواهر البلاغة ، ولا هي أصوات يعبر بها أهلها عن أغراضهم فحسب بل هي – مع ذلك - وجود وهوية وتأريخ وانفعالات ودين وتداول وإبداع وفن و غير ذلك.
    إنّ التشدد  بالمعايير اللغوية  سببا أساس في الفجوة الكبيرة بين المتخصصين في علوم العربية والمجتمع المثقف الذي يستعملها ، وهو السبب في نفور المثقفين في العناية باللغة العربية السليمة ، وبذلك أضر المتخصصون باللغة العربية واستعمالاتها أكثر من غيرهم  ولا سيما المتشددون منهم. ولكن لايعني ذلك أن ليس للغة العربية معايير ينبغي الالتزام بها أواننا نجوز نصب الفاعل ورفع المفعول وغير ذلك وان أجاز ذلك النحاة عند أمن اللبس ، لكننا نقصد أن في العربية من السعة والمرونة ما يتقاطع مع اتجاه المتشددين .

     إن أقسام اللغة العربية - على كثرتها - في الجامعات العراقية ، لم تسهم إسهاما فاعلا في نشر الثقافة اللغوية السليمة بين المثقفين ، وليس لها نشاط علمي خارج أقسامها. وليس لها دور فاعل في التحول الحضاري الجديد الذي يشهده العراق بمختلف الميادين.
     لذلك سعيت مع بعض المختصين بعلوم اللغة العربية إلى تأسيس مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني  باسم: ( الجمعية اللغوية العراقية) ، وتحت شعار: ( نحو نهوض عراقي شامل ) , تأخذ على عاتقها تلك المهمة ، فضلا عن أهداف أخرى تسعى إلى تحقيقها نحو:
1- التواصل والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات  الحكومية الداخلية والخارجية ، المعنية باللغة العربية. والاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية في الحفاظ على لغاتهم والعناية بها.
2-توحيد جهود المتخصصين بها ،والتخطيط اللغوي العلمي الذي يرقى بالدراسات اللغوية إلى العلمية والعالمية.
3-التأكيد على أهمية اللغة العربية وتوضيح حقوقها على المسؤولين والمثقفين غير المختصين بها،في بناء مجتمع حضاري جديد، ذلك أن اللغة جزء أساس من مكونات حضارة المجتمع واستقلاليته ووجوده.
4-الكشف عن أسرار اللغة العربية وإعجازها وجمالها ومرونتها  ونظامها الحيوي الذي يجعلها تناسب جميع العصور والثقافات المختلفة،معبرة عن جميع المعاني الدقيقة والفنية تعبيرا دقيقا.
5-من خلال إقامة الدورات والندوات ووضع البرامج والتخطيط  اللغوي.
6-المشاركة في المراجعة اللغوية للقوانين والدساتير وإصدار التوصيات والمقترحات في ذلك.
    أدعو من يهمه أمر العربية ومحبيها إلى دعم هذه الجمعية الواعدة ، وكذلك أدعو الجامعة ومؤسسات الدولة الثقافية والعلمية ولا سيما وزارتي الثقافة والتعليم العالي وغيرهما إلى تشجيعها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة    كانون الأول 2010 أ.د. حسن منديل حسن العكيلي كلية التربية للبنات- جامعة بغداد aligeali@Gmail.com   توطئة   :       الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...   فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك . ناهيك عن أهداف أخرى منها:         الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القا

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس