التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جهود الدكتور مصطفى جمال الدين في الاصلاح والتجديد


                     جهود الدكتور مصطفى جمال الدين
                           في الاصلاح والتجديد

                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي
                                                          aligeali@Gmail.com

 سيرته:

     ولد الكتور مصطفى جمال الدين في (قرية أم المؤمنين ) وهي إحدى قرى سوق الشيوخ احد أقضية محافظة ذي قار (الناصرية) المنتفك سابقا في 5/11/1927م الموافق1346ه.

      وتلقى دروسه الأولى  في كتاتيب القرية، ومن ثم الابتدائية في ناحية كرمة بني سعد ، وما ان أكمل المرحلة الرابعة حتى انتقل إلى النجف الاشرف. ‘عرف عنه النبوغ المبكر والذكاءالحاد فدرس العلوم الحوزوية ، أكمل مرحلة السطوح وانتقل الى مرحلة الخارج في بحث الامام السيد الخوئي (قدس) حيث كتب تقريراته في الأصول والفقه.
      قدم الى جامعة بغداد لدراسة الماجستير واشرف على رسالته الموسومة ب: (القياس حقيقته وحجيته) العلامة السيد محمد تقي الحكيم ونال الشهادة بتفوق.

      اما الدكتوراه فقد سجلها في القاهرة بإشراف المرحوم الشيخ (أبو زهرة) ولم يستطع إكمالها بسبب وفاة الأستاذ المشرف. فسجل في جامعة بغداد أطروحته: (البحث النحوي عند الأصوليين) بإشراف الدكتور مهدي المخزومي‘[1]‘ وعلى الرغم من أنه كان مشغولا  بتدرس أصول الفقه في كلية الآداب، والمنطق في كلية أصول الدين ويحاضر في كلية الفقه، مع ذلك استطاع الدكتور جمال الدين ان يحصل على شهادة الدكتوراه بدرجة (امتياز)‘[2]‘ فضلا عن صعوبة موضوع الأطروحة التي لم يتطرق اليها غيره قبله.

-         أدبه:
      كان الدكتور مصطفى جمال الدين عالما ، زاهدا، فقيها أاصوليا ، نحويا ، عروضيا ، شاعرا من الطراز الأول.
     منذ صغره كان شاعرا موهوبا وزادت موهبته الادبية بعد انتقاله الى النجف الاشرف والدراسة بمدارسها الدينية لاسيما الحوزة العلمية الشريفة . والنجف الاشرف كانت مدينة الشعر والشعراء ومازالت، وكان  شعراؤها لايبارون ومنهم الدكتور مصطفى جمال الدين والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وقد عده بعضهم خليفة للجواهري [3] .
    نظم قصيدته الاولى سنة 1947 م وكان في العشرين من عمره [4] وكان لعشقه الادب ينتمي او يترأس مجموعات ادبية منها مجموعة سوق الشيوخ التي عرفت باسم (الجبهة الشرقية) مقابل مجموعته في النجف بعد انتقاله اليها (الجبهة الغربية)[5] ورأس (الرابطة الادبية ) وكان عضوا من أعضاء (اسرة الأدب اليقظ) في النجف الأشرف التي كانت تتطلع الى كل ماهو جديد[6] .
      تاريخ حافل بالنشاطات الادبية والعلمية ، فقد اسهم في الحركة الأدبية في الأوساط التي عاش فيها ، وكان نشطا بين شعراء جيله موجها للكثير منهم مؤثرا في الشعراء الواعدين بل كانت له مدرسة ينتمي اليها بعض الشعراء الموهوبين.  وكان شاعرا من الرعيل الاول من شعراء عصره عرف بعذوبة شعره وجزالته ، وبنائه المحكم ، وبراعته في رسم الصور الشعرية،  قال فيه الجواهري:  تجد في ابيات جمال الدين الجمال والتأثير [7] وهو من الشعراء الذين يعنون بشعرهم ويجودون في تهذيبه وتنقيته ولايتعجل نشره . ويدل شعره على موهبة ورسوخ قدم في هذا الفن القولي الجميل ، وفيه جودة الشكل المتمثل بذائقته اللغوية وكثرة استهوائه للشعر القديم وطول معاشرة شعراء العربية وكذلك جودة المضمون ومااكتسب فيه من غنى بامتداد رؤيته الاجتماعية والسياسية ، فهو فقيه حوزوي ولغوي جامعي  وخبر التأليف العلمي وزاول التدريس في الجامعات لأكثر من عشرين عاما. بهذا كله جاء شعره عالي الطبقة رفيع المنزل لايمل المرء[8] قرآته .
     لم يكن الشاعر جمال الدين شاعرا فحسب، بل كان ناقدا للأدب ذا ذائقه عاليه، وعالما بالادب عامه وبالشعر خاصه، وباحثا رصينا في قضايا الشعر والأدب ولاسيما في موسيقى الشعر وأوزانه . فمن مؤلفاته في هذا المجال :-
·        التدوير في القصيدة المعاصرة ، مجله الرابطة ، العدد الأول سنه 1975 . في علم العروض.
·        رأي في الشعر الحر – مجله النجف ، العدد (8) سنه 1963 . نقد فيه كتاب نازك الملائكة : ( قضايا الشعر المعاصر ).
·        الايقاع في الشعر العربي من البيت الى التفعيلة ، تناول فيه أوزان الشعر العربي ، طبع سنه 1971
·        مسرحيه جميل بثينة
·        مسرحيه غانم شمخ
·        ديوانه الذي طبع سنه 1994 وكان لايحوي كل شعره ،وانما ضم شعره المشهور ، ثلاث مجموعات شعريه هي:
( عيناك واللحن القديم ) و ( قصائد عشقتها ) و ( آلحان الغربه ) .
فضلا عن ديوان شعر مخطوط باسم ( بنات القلب ) سنه 1952 والقصائد التي نشرت في الصحف والمجلات المختلفه [9] ناهيك عن مؤلفاته العلميه واللغويه التي اشرت اليها في الفصل السابق.

-         هجرته:-
     هاجر من العراق عام 1981 االى الكويت ومنها الى لندن ومن ثم الى الكويت مرة اخرى . اعتقل في الكويت عام 1984 واودع السجن نتيجة وقوف الكويت مع صدام في حربه ضد الجارة المسلمة ايران . فخيروه ومن معه بين قبرص وسوريا[10] .

وفاته:-
     وافاه الاجل المحتوم بعد مرض عضال في يوم الاربعاء 23/10/1996 الموافق  1416هـ . وكان على همة عالية حتى اخر أيامه. ودفن رحمه الله في العاصمة دمشق في مقبرة السيدة زينب (عليها السلام)[11] .
     رحل الشاعر الكبير السيد مصطفى جمال الدين  الى جوار ربه تاركا  وراءه الذكر العطر والسيرة الحسنة والحب الذي يعمل في صدور عارفيه من ابناء شعبه وتقديرا ووفاءا لعمله وادبه وشاعريته ولمواقفه من قضايا وطنه وامته منح وسام استحقاق من الدرجة الممتازة بعد وفاته من قبل الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والقيادة السورية حيث وارى جثمانه الطاهر ترابه في الوقت الذي بخل عليه وطنه بان يحقق له امنية طالما راودته وهي ان يدفن في المدينه التي احتضنته الى جوار جده امير المؤمنين (عليه السلام)[12] .



جهوده في الإصلاح  والتجديد:

      إن الدعوة إلى الإصلاح والتجديد والتغيير والتطوير ليس  امراً هيناً ذلك  ان ما يرسخ في الأذهان من مناهج ومعارف لدى المحافظين، يجعلهم يتصدون لمثل هذه الدعوات وهو أمر واجهه كل المجددين والمصلحين وتحملوا اعباء دعواتهم . 

      وعلى الرغم من معارضة ( المحافظين ) التي واجهها الدكتور مصطفى جمال الدين ، لم يزده ذلك إلا إصرارا وتصاعداً لحملته . مستغلاً الاحتفالات الدينية التي تقام انذاك. ففي قصيدة له رثى بها احد رجال الدين ، سنة 1952 م تحدث عن المحنة التي يعيشها الشباب  في النجف الاشرف . ختمها في خطاب لشيوخ المجتمع الديني في الاستماع لوجهة نظر الشباب :


ياقوم حسبكم الخمول فقد مضى       زمن بفطرتها تشت الرضعُ
والعصرُ عصرُ لا يشب وليده           إلا ليعجبهُ المتقن المبدعُ
صونوا مناهجكم  تصونوا دينكم   وابنوا العقول يقمْ عليها مجمعُ
فالدين ليس يربه يسوسه ُ            شيخٌ بمحراب الدجى يتضرع

وقال في قصيدة اخرى سنة1955 وهي من اشد القصائد عنفاً في النقد ودعوة للتجديد :

والفتنة الكبرى ومن اياتها      ان الذي تنعى العديد الاوفرُ
حتى لتعذر ناقديك اذا ادّعوا     عقم الطريق بما اتيت يبشر 
فالدين قد غرسته قبلك عصبية    المال دين وقلوبها المنكرُ
ومغالط من راح يقنع نفسه        ان القتاد  إذا  اسقاه  يثمرُ
والفتنة الكبرى بأن معاشراً     (منا) تضيقُ بما ادّعيت فتنكرُ
حتى كأنك قلت : دين محمد       متفسخ ، ونظامه متأخرُ
ومن السعادة ان تكون مغفلا      فتظن ان فساد قومك خيرُ


       وهكذا استمر في دعوته للتجديد ، مستغلاً كل مناسبة حتى وجد صدى لدعواته ـ وقبولاً من بعض الشباب الواعي فشاركوه في دعوته الى تجديد الناهج فكونوا تيارا  دينيا يلتف حول ( الصارية ) التي كان يرفعها الفقيه المجدد الشيخ محمد تقي الحكيم ، وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
      وهكذا أثمرت دعوات التجديد التي كان رائدا فيها [13].  قال الدكتور جمال الدين : (( وفي نهاية الخمسينات 1958 اثمر جهدنا ، فكان هذا التيار أول نواة للتغيير هي: ( كلية الفقه ) والمجلة العلمية الناطقة باسمها (مجلة النجف) .  وتضمن المنهج الذي اعد لهذه الكلية كثيراً مما كنا ندعو اليه من (مفردات ) كان الطالب الديني بحاجة اليها [14] ..))
      ومن ثمار التغيير الاخرى (( ان تغيرت بعض أساليب الدراسة في الحوزة نفسها وان بقيت على نظام الحلقات في المساجد، فقد ادخلت ( الامتحانات الفصلية ) وبعض الدروس الاضافية فيها ، كما شدد في نظام القبول الجديد والدورات الطلابية  [15].


دعوته إلى إصلاح مناهج الدراسة الدينية:

     لقد افرد الدكتور مصطفى جمال الدين عنوانا في مقدمة ديوانه هو (الدراسة الدينية ومحاولات تطوير المنهج ) ففي حديثة عن محاولات تطوير منهج الدراسات الحوزوية عرض أسلوب الدراسة في الجامعة النجفية ومقرراتها وحاجتها لادخال بعض المفردات المعاصرة في منهجها وأخذها بأسلوب التطور في ادارة شؤنها بما تقتضيه ظروف (العصرنة) كما يسميها .. فذكر إن ذلك من أهم ما يشغل المجددين من طلبة هذه الجامعة واساتذتها بوصفه واحدا من الذين تخرجوا من هذه الجامعة وأخلصوا لها وحرصوا على أن تظل قاعدة اسلامية للمرجعية الدينية، قال: (( كنت أحس بعمق الاهتزاز الذي تسببه مقررات هذه الجامعة وجمودها وعدم أخذها بأسباب التطور المطلوب لذلك كان شغلي الشاغل كشاعر يستطيع أن يوصل فكرة للناس باقرب وسيلة واكثرها اشارة لمخاطبة الذين يشعرون مثلي بهذا النقص والجمود أو الذين هم على استعداد للشعور به  لذلك حشدت كل طاقتي وأنا أشارك في كثير من الحفلات التي تعقد لتكريم أحد مراجع الدين أو تأبينه[16])).
       وقد شارك جمال الدين في أوائل الخمسينيات في حفلات تأبين الشيخ محمد رضا ال ياسين – وهو احد مراجع الدين العظام –بقصيدة نشرت في مجلتي (البيان ) النجفية و (الالواح اللبنانية) تحدث فيها عن تطور الدراسة في الجامعة الأزهرية عندئذ طلب من مراجع الدين النظر بجدية للتطور الدراسة في الجامعة النجفية .
     إن المنهج المقارن الذي اتبعه الدكتور مصطفى جمال الدين في دراساته كان من أهدافه ونتائجه تيسير الفقه على المسلمين . من خلال ترجيح الآراء الفقهية الأكثر تمثيلا لواقع المسلمين المعاصر ، والتي تسهم في إصلاح الواقع الذي يعيشه المسلمون ، فضلا عن التقريب بين المذاهب الذي مر ذكره .

     ومما انماز به الشاعر مصطفى جمال الدين انه كان يوظف الشعر لخدمه امته وشعبه ، يعالج منه هموم وطنه وشعبه. ويستعمل شعره أيضا لتغيير الواقع العلمي والاجتماعي والسياسي في عصره، وتحريك الجمود الذي كان يغلف الحركه العلميه في بيئته ، من ذلك انه حشد كل طاقاته مستعملا الشعر ليثير جمود مقررات الجامعه الدينيه وعدم أخذها بجلباب التطور المطلوب. ذلك ان أقرب وسيله لتوصيل الافكار الى الناس واكثرها اثارة  لحماس ناقدي منهج الحوزه. فقد نظم قصائد كثيره ناشد فيها مراجع الدين النظر بجديه لتطوير الدراسه في الجامعه الدينيه النجفيه ، من ذلك قوله :

      هذة ( المناهج) أطمار مهلهلة        مرت على نسجها الاحداث والعصر
       وسوف يأتي زمان لاترون بها         الا خيوطا لهمس الريح تنتشر



-         الخاتمة:
      ان الدكتور مصطفى جمال الدين باحث غير تقليدي، ذلك أنه كان كثير النزوع إلى التجديد والابتكار. يتضح ذلك من خلال الموضوعات التي اختارها للدراسة في بحوثه وكتبه.
      وقد عرف بنقده لمقررات الحوزة الدينية ومناهجها في الدراسة والتدريس.  وبدعواته الصريحة إلى التجديد والإصلاح والإحياء. إصلاح المناهج وتجديدها وتيسيرها بما يناسب العصر ومتطلباته ومتغيراته وإدخال بعض المفردات المعاصرة في مناهجها لمعالجة الجمود فيها.  وأخذها بأسباب التطور في إدارة شؤونها بما يناسب العصر الذي تعيشه. ذلك إن الحوزة قاعدة إسلامية للمسلمين، لذا كان ذلك شغله الشاغل، وقد سخرعلمه وأدبه لتحقيق ذلك الهدف ولا سيما في شعره لان الشعر أكثر إثارة لحماس أصحاب التجديد والتيسير والإصلاح.  وقد حشد كل طاقته وحرص على المشاركة بكثيرمن حفلات الحوزة العلمية لينقد مناهجها الدراسية ويدعو الى تجديدها ، وبخاصة الحفلات التي تعقد لتكريم علماء الدين او تأبينهم.[17]



[1] - الدكتور مهدي المخزومي قالوا فيه: إمام اللغة وهو نجل الفقيه الشيخ محمد صالح ونجل الشيخ الكبير حسن وهو من أسرة نجفيه معروفه ولد في النجف الاشرف سنة 1919م ويعد من المجددين للفكر النحوي ومن إعلام النحاة المعاصرين.
[2] - ينظر كتاب ديوان العرب 
[3] موقع الاخبار /مجموعة مهدي بيات 3/2/2009
[4] ينظر : سيد النخيل المقفى  65-69
[5] المصدر نفسه 69-70
[6] مقدمة ديوانه 95
[7] ينظر سيد النخيل المقفى 407
[8] . قراءة نحوية في شعر مصطفى جمال الدين بحث منشور في المؤتمر الادبيى الاستذكاري 2003م ص 95
[9]ذكر منها الاستاذ تحسين فاضل المشهدي 36 قصيده  ينظر مصطفى جمال الدين جهوده وظواهر من شعره 39 - 40
-[10] الموسوعة الحرة
[11] - الكوثر71 / 13 من اعداد علي موفق العبيدي والمجلة تصدر في النجف الاشرف .
[12] - راجع موقع الانترنت . ومصطفى جمال الدين جهوده وظواهر لغوية في شعره 17
[13] ملامح في السيرة والتجربة الشعرية 37
[14]  المصدر نفسه 37
[15] المصدر نفسه 39
[16] مقدمة الديوان :43-44
[17] - ملامح في السيرة والتجربة الشعرية 31

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة    كانون الأول 2010 أ.د. حسن منديل حسن العكيلي كلية التربية للبنات- جامعة بغداد aligeali@Gmail.com   توطئة   :       الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...   فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك . ناهيك عن أهداف أخرى منها:         الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القا

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس