التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثقافة اللغوية/ 4


ý           الثقافة اللّغوية

     لا أعني بالثقافة اللغوية العامة إلزام المثقفين بالمعايير اللغوية المنطقية على طريقة ( قل ولا تقل) أو معرفة الغريب والألفاظ المهجورة والتشدق بها ، ففي العربية من السعة والجواز والمرونة وآراء علمائها المختلفة مندوحة عن التشدد والتشدق اللغوي. وأعني بها  المهارة اللغوية الكافية ، والقدر المحدود من المعرفة اللغوية التي تمكن المثقف من التعبير بلغة سهلة واضحة سليمة  ، ومعرفة أسرار اللغة في التعبير عن المعاني الدقيقة المؤثرة في المتلقي ،كالتعبير الفني والجمالي والإبداعي . وسلامتها من العيوب وتنقيتها من الشوائب التي تخدش شخصية المخاطب ، واحترامها وعدم الاستهانة بها، ذلك أنها تراث الأمة وتأريخها فلا خير في أمة يستهين مثقفوها في حضارتها وتراثها وتأريخها المتمثل باللغة . والذي يتدبر اللغة العربية يقف على مواطن الإعجاز فيها ،إذ هي اللغة الوحيدة في تاريخ اللغات التي استمرت متداولة مفهومة ألفي سنة تقريبا ولا تزال ، ولا توجد لغة (غير العربية) عمرت أكثر من مأتي سنة من غير تغيير جذري أومن غير أن تتفرع إلى لغات متباعدة أو تموت كما حدث للغة السامية الأم واللغة اللاتينية .
    إنّ عناية الأمم والشعوب المعاصرة بلغاتهم واعتزازهم  بها  يفوق عنايتنا نحن بلغتنا ، على الرغم من أن للغتنا العربية حق أكبر من غيرها على أهلها  لأنها الدين والشريعة ولأنها مرتبطة بالقرآن الكريم ارتباطا لا انفصام له  ناهيك عن إعجازها وأسرارها البيانية وجمالها وسحرها وتوسعها من أصول محددة ، ودقتها في التعبير عن المعاني مهما كان دقيقة وظلال المعاني من خلال اشتراك مكوناتها كلها في التعبير عن المعنى: الأصوات والألفاظ والتراكيب وترتيب ألفاظ التركيب ،كل شيء فيها يوحي بالمعنى وغير ذلك، وعلى الرغم من ذلك لم تحظ منا بعناية كافية توازي عناية الشعوب بلغاتها ، ولولا خصائصها المذكورة  لضعفت وتفرعت ثم ماتت ، بحسب قانون تطور اللغات ،لكنها أقوى من المتغيرات الزمانية  ومن أهلها إذ ليس لأهلها دور فاعل أو قوة أو مكانة رصينة  في الحضارة المعاصرة ، وقوة اللغات وضعفها تبعا لأهلها بحسب قوانين اللغات.  ولا تزال العربية شامخة عصية على أعدائها منذ عشرات القرون.
     لست انفعاليا بهذه الأقوال أو منحازا أو متعصبا ، بل متخصصا أثبت ذلك بالبحوث العلمية الأكاديمية . فكثير من أصول علم اللغة الحديث الغربي لا تنطبق على العربية لأنه علم  أخذ مادته من لغات غير العربية. ومن قوانينه أن اللغات تتطور ثم تموت إلا  أن العربية لم تمت و يخطئ من يعتقد ذلك , أو يخشى على العربية من الموت والتراجع على الرغم من العداء الذكي الواسع الحثيث الموجه إليها وذلك بفضل نظامها الذي يحوي المتغيرات الزمانية والتقدم الحضاري وقد عرفت به في مقال سابق .
   أعود إلى عناية الشعوب بلغاته. من ذلك:
-    إن أحد أعضاء مجلس النواب( الكونغرس )الأمريكي دعا إلى وضع قوانين لمعاقبة الذين يفسدون اللغة ويلحنون بها على غرار القوانين الجنائية لمعاقبة المجرمين. ( معجم الأخطاء اللغوية الشائعة ، محمد العدناني -: ز ).
-    رفعت الجمعية العامة لمستعملي اللغة الفرنسية دعوى ضد (44) شركة في فرنسا لأنها استعملت اللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية في الإعلان عن نفسها ، طالبتها بدفع غرامة مالية كبيرة. ( معجم ما كتب عن لحن العامة 102 ).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة    كانون الأول 2010 أ.د. حسن منديل حسن العكيلي كلية التربية للبنات- جامعة بغداد aligeali@Gmail.com   توطئة   :       الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...   فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك . ناهيك عن أهداف أخرى منها:         الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القا

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس