ý الثقافة اللّغوية
لا أعني بالثقافة اللغوية العامة إلزام المثقفين بالمعايير اللغوية المنطقية على طريقة ( قل ولا تقل) أو معرفة الغريب والألفاظ المهجورة والتشدق بها ، ففي العربية من السعة والجواز والمرونة وآراء علمائها المختلفة مندوحة عن التشدد والتشدق اللغوي. وأعني بها المهارة اللغوية الكافية ، والقدر المحدود من المعرفة اللغوية التي تمكن المثقف من التعبير بلغة سهلة واضحة سليمة ، ومعرفة أسرار اللغة في التعبير عن المعاني الدقيقة المؤثرة في المتلقي ،كالتعبير الفني والجمالي والإبداعي . وسلامتها من العيوب وتنقيتها من الشوائب التي تخدش شخصية المخاطب ، واحترامها وعدم الاستهانة بها، ذلك أنها تراث الأمة وتأريخها فلا خير في أمة يستهين مثقفوها في حضارتها وتراثها وتأريخها المتمثل باللغة . والذي يتدبر اللغة العربية يقف على مواطن الإعجاز فيها ،إذ هي اللغة الوحيدة في تاريخ اللغات التي استمرت متداولة مفهومة ألفي سنة تقريبا ولا تزال ، ولا توجد لغة (غير العربية) عمرت أكثر من مأتي سنة من غير تغيير جذري أومن غير أن تتفرع إلى لغات متباعدة أو تموت كما حدث للغة السامية الأم واللغة اللاتينية .
إنّ عناية الأمم والشعوب المعاصرة بلغاتهم واعتزازهم بها يفوق عنايتنا نحن بلغتنا ، على الرغم من أن للغتنا العربية حق أكبر من غيرها على أهلها لأنها الدين والشريعة ولأنها مرتبطة بالقرآن الكريم ارتباطا لا انفصام له ناهيك عن إعجازها وأسرارها البيانية وجمالها وسحرها وتوسعها من أصول محددة ، ودقتها في التعبير عن المعاني مهما كان دقيقة وظلال المعاني من خلال اشتراك مكوناتها كلها في التعبير عن المعنى: الأصوات والألفاظ والتراكيب وترتيب ألفاظ التركيب ،كل شيء فيها يوحي بالمعنى وغير ذلك، وعلى الرغم من ذلك لم تحظ منا بعناية كافية توازي عناية الشعوب بلغاتها ، ولولا خصائصها المذكورة لضعفت وتفرعت ثم ماتت ، بحسب قانون تطور اللغات ،لكنها أقوى من المتغيرات الزمانية ومن أهلها إذ ليس لأهلها دور فاعل أو قوة أو مكانة رصينة في الحضارة المعاصرة ، وقوة اللغات وضعفها تبعا لأهلها بحسب قوانين اللغات. ولا تزال العربية شامخة عصية على أعدائها منذ عشرات القرون.
لست انفعاليا بهذه الأقوال أو منحازا أو متعصبا ، بل متخصصا أثبت ذلك بالبحوث العلمية الأكاديمية . فكثير من أصول علم اللغة الحديث الغربي لا تنطبق على العربية لأنه علم أخذ مادته من لغات غير العربية. ومن قوانينه أن اللغات تتطور ثم تموت إلا أن العربية لم تمت و يخطئ من يعتقد ذلك , أو يخشى على العربية من الموت والتراجع على الرغم من العداء الذكي الواسع الحثيث الموجه إليها وذلك بفضل نظامها الذي يحوي المتغيرات الزمانية والتقدم الحضاري وقد عرفت به في مقال سابق .
أعود إلى عناية الشعوب بلغاته. من ذلك:
- إن أحد أعضاء مجلس النواب( الكونغرس )الأمريكي دعا إلى وضع قوانين لمعاقبة الذين يفسدون اللغة ويلحنون بها على غرار القوانين الجنائية لمعاقبة المجرمين. ( معجم الأخطاء اللغوية الشائعة ، محمد العدناني -: ز ).
- رفعت الجمعية العامة لمستعملي اللغة الفرنسية دعوى ضد (44) شركة في فرنسا لأنها استعملت اللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية في الإعلان عن نفسها ، طالبتها بدفع غرامة مالية كبيرة. ( معجم ما كتب عن لحن العامة 102 ).
تعليقات