التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثقافة اللغوية / 5

ý           لا تستهينوا باللغة

   كان أحد الإعلاميين المحررين  في الثمانينيات من القرن الماضي. يلحن كثيرا في كتاباته ، فقيض الله له أحد المتشددين المحبين للعربية هو الأستاذ عباس كاظم مراد ( مؤلف كتاب: معجم لحن العامة والتصحيح اللغوي ) سعى سعيا حثيثا لمقاضاة المحرر،  باذلا الغالي والنفيس من الجهد والوقت والمال، فتقدم بدعوى إلى محكمة بداءة الكاظمية يطلب فيها مقاضاة ذلك الصحفي لكثرة ما تحفل الصفحة التي يعدها  بأخطاء لغوية  تربك الملكة اللغوية ، وتنأى بالمختص عن القراءة  فتقلل من فرص التثقيف ، وتسهم في شيوع اللحن و الخطأ اللغوي  وذلك لخصوصية الصحف المتمثلة بكثرة قرائها وسرعة تداولها ، مما يؤدي إلى سرعة  انتشار الخطأ والى زيادة الخطر ، ولا سيما في صفوف المبتدئين والواعدين.  طالبا أيضا في دعوته مقاضاة رئيس تحرير الصحيفة والمشرف اللغوي فيها. والحكم على المدعي عليه جزائيا أو اعتباريا ، وذلك إلزامه بنشر الدعوى والحكم في صفحته ، مع بيان مسؤولية الجريدة التي يعمل فيها ( إدارة ومشرفا لغويا) ، تاركا الحكم لغيره مطالبته بحقوقه المماثلة. وأرفق الدعوى جدولا طويلا بالأخطاء اللغوية المنتخبة من الصفحة.
       وقد رفض القاضي النظر بالدعوى . فتقدم بها إلى محكمة أخرى وأخرى فلاقت  الرفض نفسه , ثم أتجه  بدعوته إلى رئاسة الادعاء العام .. وكان السبب أن الدعوى ليست جنائية ، ولا يوجد نص جنائي لمعالجة هذه الحالة ، وان هناك جهات معنية بالموضوع  كوزارة الإعلام وغيرها. فضلا عن ذلك أن القاضي يخطئ فكيف الصحف.
    ولولا خبر صغير نشرته مجلة وعي العمال ( ع 735 في 1/2/ 1989 ) عن الموضوع  لانتهت الأحداث إلى هنا , وطوى النسيان الخبر كما طوى غيرها ، إلا أن الأحداث تبدأ من هنا حيث الفضيحة والتشهير ، فقد استأثرت الخبر  وسائل الإعلام العراقية ثم العربية  لكونها أغرب دعوى قضائية، تحت عناوين مختلفة منها: انتصار اللغة العربية ، وأطرف دعوى وأغربها، وغير ذلك عشرات المقالات... ( ينظر: معجم لحن العامة ،  حو ل وسائل الإعلام التي تناولت الخبر ص  77 ) ومازلنا نكتب عنها بعد أكثر من ثلاثين عاما على حدوثها ، ولا نعرف من سيكتب عنها وما ستثيره هذه المقالة .
 ثم أولى وزير العدل العراقي آنذاك الدعوى عنايته ، مما جعل الذين يمارسون الكتابة على حذر ويقظة في ذلك الزمان ،  وبعد ذلك دعا رئيس النظام السابق المدعي ، إلى مقابلته وتكريمه ، وأصدر أوامر وتعليمات في الحفاظ على اللغة العربية وعدم الاستهانة بها.  
  قال المدعي – منتشيا بانتصاره – هذا التشهير لهو أقسى من مائة جلدة وأمضى على المدعى عليه. لكنّا لا نعرف هل اكتفى المدعي المغرم  بحب العربية بذلك ، أم واصل سعيه الحثيث في مطاردة الصحفي المسكين. ومهما يكن من أمر فإن المغزى من هذه القضية  والعبرة التي يستفيد منها الكتّاب والإعلاميون اليوم هي: وجوب العناية باللغة العربية واحترامها وعدم الاستهانة بها. وإن اختلف ذلك العصر عن عصرنا الجديد عصر الحرية والديمقراطية ، لكن قوانين السماء واحدة في كل زمان ومكان ومنها:
                  ( من استهان بما نعتز به قيض الله له من يستهين به ).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول

بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المسائية ، مشكلات وحلول ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الثاني لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي - جامعة الكوفة    كانون الأول 2010 أ.د. حسن منديل حسن العكيلي كلية التربية للبنات- جامعة بغداد aligeali@Gmail.com   توطئة   :       الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...   فقد أسست الدراسة الجامعية المسائية في الجامعات العراقية الحكومية، في تسعينيات القرن الماضي في محاولة من الحكومة العراقية في ذلك الوقت لفتح منفذ لتمويل التعليم الجامعي، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإمكانات نفسها من بنايات وأثاث كما انها تمثل مصدر دخل جيد للأساتذة في مرحلة الحصار الذي شهده العراق آنذاك . ناهيك عن أهداف أخرى منها:         الحاجة الملحة والضرورة التي تتطلبها المصلحة العامة. وهي اتاحة الفرصة لمن لم تسنح له الفرصة في أكمال دراسته الجامعية من الموظفين غير المتفرغين للدراسة الصباحية, وخريجي المعاهد والدراسة الاعدادية الذين تجاوزت أعمارهم السن القا

الأسلوبية العربية الإسلامية

المقدمة:     الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...       فالبحث يتناول قضيتين من قضايا الأسلوبية لدى الدارسين العرب المعاصرين ، ويحاول الاجابة عنهما.      الأولى: قضية تطبيق الاسلوبية الغربية المعاصرة على النص القرآني. من غير مراعاة خصوصية النص القرآني من حيث المرسل والمتلقي والرسالة.      والقضية الثانية:   جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي. ورآى الباحث : أن أوضح جهود للقدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي وتحليله تحليلا اسلوبيا معاصرا مؤسسا على خصوصية النص العربي الاسلامي الذي ينأى عن النصوص الغربية وانظمتها اللغوية ، تتجلى في جهود علماء إعجاز القرآن القدامى، وتطبيق الزمخشري علم المعاني في تفسيره الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص . يمكن تسميتها بالاسلوبية العربية الاسلامية، وهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي: القرآن والأدب الإسلامي المؤسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود ( [1] ) . تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفات

الثقافة اللغوية / خلقة 1

                           الثقافة اللغوية                                                              أ. د. حسن منديل حسن العكيلي                                 ý يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلمية أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك إن من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بتعبير دقيق. لذلك أغفلوا العناية باللغة في كتاباتهم من حيث الالتزام الدقيق بالمعايير اللغوية والنحوية، لأنهم لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجا تهم.    إن الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة وأسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الأساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية)   والعاملين في الوظائف الكتابية ، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات ، كالإعلامي والتدريس