ý لا تستهينوا باللغة
كان أحد الإعلاميين المحررين في الثمانينيات من القرن الماضي. يلحن كثيرا في كتاباته ، فقيض الله له أحد المتشددين المحبين للعربية هو الأستاذ عباس كاظم مراد ( مؤلف كتاب: معجم لحن العامة والتصحيح اللغوي ) سعى سعيا حثيثا لمقاضاة المحرر، باذلا الغالي والنفيس من الجهد والوقت والمال، فتقدم بدعوى إلى محكمة بداءة الكاظمية يطلب فيها مقاضاة ذلك الصحفي لكثرة ما تحفل الصفحة التي يعدها بأخطاء لغوية تربك الملكة اللغوية ، وتنأى بالمختص عن القراءة فتقلل من فرص التثقيف ، وتسهم في شيوع اللحن و الخطأ اللغوي وذلك لخصوصية الصحف المتمثلة بكثرة قرائها وسرعة تداولها ، مما يؤدي إلى سرعة انتشار الخطأ والى زيادة الخطر ، ولا سيما في صفوف المبتدئين والواعدين. طالبا أيضا في دعوته مقاضاة رئيس تحرير الصحيفة والمشرف اللغوي فيها. والحكم على المدعي عليه جزائيا أو اعتباريا ، وذلك إلزامه بنشر الدعوى والحكم في صفحته ، مع بيان مسؤولية الجريدة التي يعمل فيها ( إدارة ومشرفا لغويا) ، تاركا الحكم لغيره مطالبته بحقوقه المماثلة. وأرفق الدعوى جدولا طويلا بالأخطاء اللغوية المنتخبة من الصفحة.
وقد رفض القاضي النظر بالدعوى . فتقدم بها إلى محكمة أخرى وأخرى فلاقت الرفض نفسه , ثم أتجه بدعوته إلى رئاسة الادعاء العام .. وكان السبب أن الدعوى ليست جنائية ، ولا يوجد نص جنائي لمعالجة هذه الحالة ، وان هناك جهات معنية بالموضوع كوزارة الإعلام وغيرها. فضلا عن ذلك أن القاضي يخطئ فكيف الصحف.
ولولا خبر صغير نشرته مجلة وعي العمال ( ع 735 في 1/2/ 1989 ) عن الموضوع لانتهت الأحداث إلى هنا , وطوى النسيان الخبر كما طوى غيرها ، إلا أن الأحداث تبدأ من هنا حيث الفضيحة والتشهير ، فقد استأثرت الخبر وسائل الإعلام العراقية ثم العربية لكونها أغرب دعوى قضائية، تحت عناوين مختلفة منها: انتصار اللغة العربية ، وأطرف دعوى وأغربها، وغير ذلك عشرات المقالات... ( ينظر: معجم لحن العامة ، حو ل وسائل الإعلام التي تناولت الخبر ص 77 ) ومازلنا نكتب عنها بعد أكثر من ثلاثين عاما على حدوثها ، ولا نعرف من سيكتب عنها وما ستثيره هذه المقالة .
ثم أولى وزير العدل العراقي آنذاك الدعوى عنايته ، مما جعل الذين يمارسون الكتابة على حذر ويقظة في ذلك الزمان ، وبعد ذلك دعا رئيس النظام السابق المدعي ، إلى مقابلته وتكريمه ، وأصدر أوامر وتعليمات في الحفاظ على اللغة العربية وعدم الاستهانة بها.
قال المدعي – منتشيا بانتصاره – هذا التشهير لهو أقسى من مائة جلدة وأمضى على المدعى عليه. لكنّا لا نعرف هل اكتفى المدعي المغرم بحب العربية بذلك ، أم واصل سعيه الحثيث في مطاردة الصحفي المسكين. ومهما يكن من أمر فإن المغزى من هذه القضية والعبرة التي يستفيد منها الكتّاب والإعلاميون اليوم هي: وجوب العناية باللغة العربية واحترامها وعدم الاستهانة بها. وإن اختلف ذلك العصر عن عصرنا الجديد عصر الحرية والديمقراطية ، لكن قوانين السماء واحدة في كل زمان ومكان ومنها:
( من استهان بما نعتز به قيض الله له من يستهين به ).
تعليقات